کد مطلب:239606 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:142

الترکیز علی افحام الامام
فبدأ یجمع العلماء، و أهل الكلام من المعتزلة، و هم أصحاب جدل، و كلام، و استدلال، و تنبه للدقائق من الامور، لیحدق هؤلاء بالرضا (ع) و تجری فیما بینهم و بینه محاورات، و مجادلات، من أجل أن ینقصوا منه مجلسا بعد مجلس، و أن یكسروه فی أعظم ما یدعیه هو و آباؤه (ع) : من العلم و المعرفة بآثار رسول الله (ص)، و علومه .. و الذی هو الشرط الأعظم لامامة الامام، علی ما یدعیه الشیعة المفتونون بالرضا (ع)، و بسائر آبائه و أبنائه الأئمة الطاهرین ..

و حتی لا یبقی من ثم مجال لأبی نؤاس لأن یقول فیه عندما رآه خارجا من عند المأمون :



مطهرون نقیات ثیابهم

تجری الصلاة علیهم أینما ذكروا



من لم یكن علویا حین تنسبه

فما له فی قدیم الدهر مفتخر





[ صفحه 376]





الله لما بری خلقا فأتقنه

صفاكم و اصطفاكم أیها البشر



فأنتم الملأ الأعلی و عندكم

علم الكتاب و ما جاءت به السور [1] .



هذه الأبیات التی سارت بها الركبان، و التی هی تعبیر صادق عن هذه الحقیقة التی أشرنا الیها، و التی كانت تقض علی المأمون و كل أسلافه و أتباعه مضاجعهم، و تنغص علیهم حیاتهم .. و علیه :

و اذا استطاع المأمون أن یظهر للملأ أن الامام (ع) صفر الیدین مما یدعیه، و یدعیه آباؤه من قبل، فانه یكون قد قضی علی المصدر الأول و الأساس لكل المشاكل، و الاخطار، و ینهار المذهب الشیعی حینئذ بانهیار فكرة الامامة فیه ، التی هی المحور، و الاساس له، و یتحقق من ثم - حلمه الكبیر، الذی طالما جهد و شقی من أجل تحقیقه .

و أعتقد : أنه لو كان تم له ما أراد، فلسوف لا یتعرض بعد هذا للامام (ع) بسوء، و أنه كان سوف یبقی علی حیاته (ع) ابقاء لحجته، و أنه خال من شرائط الامامة، و لیأفل من ثم .. نجمه، و نجم العلویین من بعده .. و الی الأبد ..



[ صفحه 377]



و من أجل ذلك - بكل تأكید - أخذ یجمع العلماء [2] و یجلبهم من أقاصی البلدان، و یأمرهم بتهیئة أشكل المسائل و أصعبها، و طرحها علی الامام (ع) عله یقطعه عن الحجة، ولو مرة واحدة ؛ لیحط بذلك من كرامته، و یشوه سمعته، و یظهر عجزه وعیه، و یری الناس أن ما یدعیه من العلم و المعرفة بآثار رسول الله و علومه لا حقیقة له، و لا واقع وراءه..

قال الصدوق علیه الرحمة : « .. كان المأمون یجلب علی الامام (ع) من متكلمی الفرق، و أهل الأهواء المضلة كل من سمع به ؛ حرصا علی انقطاع الرضا (ع) عن الحجة مع واحد منهم الخ .. » [3] .

و قال ابراهیم بن العباس : « سمعت العباس یقول : ...... و كان المأمون یمتحنه ( أی یمتحن الامام (ع) - ) بالسؤال عن كل شی ء ؛ فیجیبه الجواب الشافی .. » [4] .

و قال أبوالصلت : « .. فلما لم یظهر منه للناس الا ما ازداد به فضلا عندهم، و محلا فی نفوسهم .. جلب علیه المتكلمین من البلدان ؛ طمعا فی أن یقطعه واحد منهم ؛ فیسقط محله عند العلماء ؛ و بسببهم یشتهر نقصه عند العامة ؛ فكان لا یكلمه خصم من الیهود، و النصاری، و المجوس، و الصابئین، و البراهمة، و الملحدین، و الدهریة، و لا خصم



[ صفحه 378]



من فرق المسلمین المخالفین له الا قطعه، و الزمه الحجة، و كان الناس الخ .. » [5] .

و قال المأمون لسلیمان المروزی : « .. انما وجهت الیك لمعرفتی بقوتك، و لیس مرادی الا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط .. » [6] .

و تقدم قوله لحمید بن مهران، عندما طلب منه هذا أن یولیه مجادلته؛ لینزله منزلته : « ما من شی ء أحب الی من هذا .. » .

بل لقد صرح المأمون نفسه : بأنه كان یرید أن یجعل من جهل الامام - نعوذ بالله - ذریعة و وسیلة الی خلعه ؛ لیشتهر بین الناس أنه قد خلع بسبب جهله، و قلة معرفته ؛ فقد ورد أنه عندما أخبره الرضا بصفات حمل جاریته، قال المأمون :

«فقلت فی نفسی هذه والله فرصة ؛ ان لم یكن الأمر علی ما ذكر، خلعته ؛ فلم أزل أتوقع أمرها الخ .. » [7] .

الی غیر ذلك مما قد امتلأت به كتب الأخبار و السیر ..


[1] شهرة هذه الأبيات تغنينا عن ذكر مصادرها، و قد أعطاه عليه السلام ما كان معه، و هو مئة دينار، و البغلة التي كان يركبها .. لكن بعض الباحثين يري أن أبانؤاس لم يعش الي زمان تولي الرضا العهد، بل مات قبل ذلك بثلاث سنوات أي في سنة 198 ه . و من ثم هو ينكر الحادثة الاخري، التي تقول : ان البعض لام أبانؤاس حيث لم يمدح الامام عليه السلام، فقال أبياته المشهورة : « قيل لي أنت أشعر الناس طرا في فنون الخ .. » .

و لكن الظاهر أن هذا الباحث لم يطلع علي عبارة ابن خلكان في وفيات الأعيان، طبع سنة 1310 ج 1 ص 457 ؛ فانه قال : « و فيه ( أي في الرضا عليه السلام ) يقول أيضا - و له ذكر في شذور العقود سنة احدي أو اثنتين و ماءتين - : مطهرون نقيات الخ .. » .

بل يكفي دلالة علي أنه عاش الي ما بعد ولاية العهد ذكر هذه الأبيات، و تلك له و النص علي أنه قد قالها في عليه السلام.

[2] مع أنه هو نفسه قد فرق عن الامام تلامذته، عندما أخبروه أنه يقوم بمهمة التدريس، كما أشرنا اليه !!.

[3] مسند الامام الرضا ج 2 ص 105، و البحار ج 49 ص 179، و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 191.

[4] الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 237، و اعلام الوري ص 314، و أعيان الشيعة ج 4 قسم 2 ص 107، و يراجع أيضا : مناقب ابن شهرآشوب ج 4 ص 350، و غير ذلك.

[5] عيون أخبار الرضا ج 2 ص 239، و مثير الاحزان ص 263، و البحار ج 49 ص 290، و مسند الامام الرضا ج 1 ص 128، و شرح ميمية أبي فراس ص 204.

[6] البحار ج 49 ص 178 ، و عيون أخبار الرضا ج 1 ص 179، و مسند الامام الرضا ج 1 ص 97.

[7] الغيبة للشيخ الطوسي ص 49، و عيون أخبار الرضا ج 2 ص 224، و البحار ج 49 ص 307، و مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 333 عن الجلاء و الشفاء ...

هذا .. و لا بأس بملاحظة قوله : انها والله فرصة !! .. الدلالة علي أنه كان يتحين الفرص لذلك.